فصل: الجملة الرابعة في ذكر من ملك هذه البلاد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الجملة الثانية في ذكر الموجود بهذه البلاد:

قد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ حيدر العريان الرومي: أن بها من المواشي الخيل، والبقر، والغنم ما لا يقع عليه عدد ولا يدخل تحت الأحصاء، ونتاج بلادهم من الخيل هي البراذين الرومية الفائقة.
وقد تقدم الكلام على القسطمونيات منها في الكلام عن قسطمونية، وتجلب إليها العربيات من بلاد الشام وغيرها، وأكثر مواشيهم نتاجاً الغنم.
قال في مسالك الأبصار: وهي مما يبسط فرش الأرض منها. قال: ومنها المعز المرعزى، ذوات الأوبار المضاهية لأنعم الحرير.
ثم قال: وغالب قنية أهل الشام وديار بكر والعراق وبلاد العجم وذبائحهم مما يفضل عنها ويجلب إليها منها، وهي أطيب أغنام البلاد لحماً، وأشهاها شحماً، ويترتب على ذلك في كثرة الوجود الألبان وما يتحصل عنها من السمن والجبن وغير ذلك.
وبها من الحبوب القمح، والشعير، والباقلا ونحوها، ويزرع بها الكتان، والقطن الكثير، وبها من الفواكه كل ما يوجد بمصر والشام من التفاح، والسفرجل، والكمثرى، والقراصيا، والأجاص، والرمان: الحلو والمز والحامض، وغير ذلك.
أما المحمضات فلا توجد إلا ببلاد السواحل من بلادهم على ما تقدم ذكره، والموز لا يوجد ببلادهم، وبها من العسل ما يضاهي الثلج بياضاً والسكر لذاذاةً وطعماً، ولا حدة فيه ولا إفراط حلاوةٍ توقف الأكل عنه، إلى غير ذلك من الأشياء التي يطول ذكرها. وقد تقدم أن بها معدن فضة بمدينة برسا، ومعدن فضة بأماسية.
وقال في مسالك الأبصار عن الشيخ حيد العريان أن بها ثلاثة معادن فضة مستمرة العمل: معدن بمدينة ركوة، ومعدن بمدينة كش، ومعدن بأراضي مدينة تاخرت.

.الجملة الثالثة في معاملاتها وأسعارها:

أما معاملاتها، فقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ حيدر العريان أن لملوك التركمان هؤلاء نقوداً ولكن لا يروج نقد واحد منهم في بلاد آخر.
قال: ودرهمهم في الغالب تقدير نصف وربع درهم من نقد مصر، وأرطالهم مختلفةٌ، وأكثرها بالتقريب زنة اثني عشر رطلاً بالمصري، وأقلها ثمانية أرطال، وكيلهم الذي تباع به الغلات يسمى الوط تقدير إردب ونصف بالمصري.
وأما أسعارها، فقد ذكر أنها رخية رخيصة الأسعار للغاية لقلة المكوس وكثرة المراعي واتساع أسباب التجارة وأكتناف البحر لها في كل جانب بحيث يحمل إليها على ظهره كل شيء مما لا يوجد فيها.
قال: وقيمة الغلات بها دون قيمتها بمصر والشام أو مثلها في الغالب. والأغنام في غاية الرخص، حتى إن الرأس الغنم الجيد لا يجاوز اثني عشر درهماً من دراهمهم، يكون بنحو تسعة دراهم من دراهم مصر إلى ما دون ذلك، ويترتب على ذلك رخص اللحم، أما اللبن وما يعمل منه فإنه لا يكاد يوجد من يشتريه، لا ستغناء كل أحد بما عنده من لبن مواشيه، لا سيما في زمن الربيع.
قال: والعسل لا يتجاوز الرطل منه ثلاثة دراهم برطلهم ودرهمهم، وهو ذلك الرطل الكبير والدرهم الصغير والفواكه في أوانها في حكم اللبن وما في معناه في زمن الربيع، في عدم وجود من يشتريه، ثم قال: وبالجملة فبلاد الروم إذا غلت وأقحطت كانت كسعر الشام إذا أقبل وأرخص.

.الجملة الرابعة في ذكر من ملك هذه البلاد:

قد ذكر ابن سعيد: أن هذه البلاد كانت بيد اليونان، وهم بنو يونان بن علجان بن يافث بن نوح عليه السلام من جملة ما بيدهم قبل أن يغلب عليهم الروم، ثم غلب عليها الروم بعد ذلك فيما غلبوهم عليه، واستمرت بأيديهم في مملكة صاحب القسطنطينية على ما سيأتي ذكره في الكلام على مملكة القسطنطينية فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وكان كل من ملك هذه البلاد التي شرقي الخليج القسطنطيني يسمى الدمستق بضم الدال المهملة وفتح الميم وسكون السين المهملة والتاء المثناة فوق وقاف في الآخر. وله ذكر في حروب الإسلام.
قال في العبر: وكان ثغور المسلمين حينئذ من جهة الشام ملطية ومن جهة أذربيجان أرمينية إلىأن دخل بعض قرابة طغرلبك أحد ملوك السلجوقية في عسكر إلى بلاد الروم هذه فلم يظفروا منها بشيء.
ثم دخلها بعد ذلك مماني أحد أمرائهم بعد الثلاثين وأربعمائة ففتح وغنم وانتهى في بلادهم حتى صار من القسطنطينية على خمس عشررة مرحلة، وبلغ سبيه مائة ألف رأس، والغنائم عشرة الأف عجلة، والظهر مالأ يحصى.
ثم فتح قطلمش بن إسرائيل بن سلجوق قونية، واقصرا، وأعمالهما، ثم وقعت الفتنة بين قطلمش وبين ألب أرسلان السلجوقي بعد طغرلبك، وقتل قطلمش في حربه في سنة ست وخمسين وأربعمائة.
وملك البلاد من بعده ابنه سليمان ثم كان بين سليمان ومسلم بن قريش صاحب الشام حروبٌ انهزم سليمان في بعضها وطعن نفسه بخنجر فمات في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
وملك بعده ابنه قليج أرسلان تلك البلاد ثم قتل قليج أرلاسلان في بعض الوقائع.
وولي مكانه بقوينة وأقصرا وسائر بلاد الروم ابنه مسعود واستقام له ملها، ثم توفي مسعود بن قليج أرسلان سنة إحدى وخمسين وخمسمائة.
وملك بعده ابنه قليج أرسلان.
ثم قسم قليج أرسلان المذكور هذه البلاد بين أولاده: فأعطى قونية وأعمالها لابنه غياث الدين كيخسرو وأقصرا وسيواس لابنه قطب الدين ودوفاط لابنه ركن الدين سليمان وأنكورية لابنه محيي الدين وملطية لابنه عز الدين قيصر شاه، والأبلستين لابنه غيث الدين وقيسارية لابنه نور الدين محمود وأعطى أماسية لابن أخيه.
ثم ندم على هذه القسمة، وأراد انتزاع الأعمال من أولاده فخرجوا عن طاعته إلا ابنه غياث الدين كيخسرو صاحب قونية فإنه بقي معه.
وحاصر ابنه محموداً في قيسارية فتوفي وهو محاصر لها في منتصف شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.
واستقل غياث الدين كيخسرو بقوينة وما والأها.
ثم ملكها من يده أخوه نور الدين محمود.
ثم ملك قطب الدين أقصرا وسيواس قيسارية من يد أخيه محمود غدراً، ثم مات قطب الدين في أثر ذلك.
فملك أخوه ركن الدين سليمان صاحب دوفاط ما كان بيد أخيه قطب الدين من سيواس وأقصرا وقيسارية، ثم ملك قونية بعد ذلك من يد أخيه غياث الدين، ثم ملك أماسية، ثم سار إلى ملطية، فملكها من يد عز الدين قيصر شاه سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ثم ملك أنكورية بعد ذلك في سنة إحدى وستمائة، واجتمع لركن الدين سليمان سائر أعمال إخوته وتوفي عقب ذلك.
وتولى بعده ابنه قليج أرسلان فأقام يسيراً ثم قبض عليه أهل قوينة وملكوا عنه غياث الدين كيخسرو مكانه فقوي ملكه وعظم شأنه، وبقي حتى قتل في حرب صاحب القسطنطينية سنة سبع وستمائة.
ومل بعده ابنه كيكاوس وتلقب الغالب بالله، وبقي حتى مات سنة ست عشرة وستمائة، وخلف بنين صغاراً.
وملك بعده أخوه علاء تالدين كيقباد محمد شاه وبقي حتى توفي سنة أربع وثلاثين وستمائة.
وملك بعده ابنه غياث الدين كيخسرو وتوفي سنة أربع وخمسين وستمائة.
وملك بعده ابنه علاء الدين كيقباد بعهد أبيه.
وفي أيامه أرسل القان منكوقان بن جنكزخان صاحب التخت بقراقوم عسكراً فاستولوا على قيسارية ومسيرة شهرٍ معها ورجعوا إلى بلادهم.
ثم عادوا في سنة خمس وخمسين وستمائة واستولوا على ما كانوا استولوا عليه أولاً وزادوا عليه، فسار علاء الدين كيقباد إلى القان بهدايا استصحبها معه مصانعاً له فمات في طريقه، فوصل رفقته بما معهم من الهدايا إلى القان، فأخبروه الخبر، ورغبوا إليه في ولاية عز الدين كيكاوس أخي كيقباد المذكور فكتب القان إليه بالولاية، ثم أشرك بعد ذلك بينه وبين أخيه ركن الدين قليج أرسلان على أن يكون من سيواس إلى تخوم القسطنطينية غرباً لعز الدين كيكاوس.
ومن سيواس إلى أرزن الروم شرقاً متصلاً ببلاد التتر، لركن الدين قليج أرسلان، على إتاوة تحمل إلى القان بقراقوم، وجهز القان من أمرائه أميراً اسمه بيدو على أن يكون شحنةً له ببلاد الروم، لا ينفذون في شيء إلا عن رأيه، ورجعوا إلى بلادهم، وقد حملوا معهم جثة كيقباد إلى قوينة فدفنوه بها.
ولم يزل الأمر على ذلك حتى سار هولاكو بن طولى بن جنكزخان بعد استيلائه على بغداد إلى الشام في سنة ثمان وخمسين وستمائة، بعث إلى عز الدين كيكاوس، وركن الدين قليج أرسلان المذكورين بالطلب، قحضرا إليه وحضرا معه فتح حلب، ومعهما معين الدين سليمان البرواناه صاحب دقليم، فاختار هولاكو أن يكون البرواناه سفيراً بينه وبينهما، ثم هلك بيدو الشحنة ببلاد الروم.
وولي بعده ابنه صمغان ثم غلب ركن الدين قليج أرسلان على أخيه عز الدين كيكاوس وبقي في الملك وحده، وفر كيكاوس إلى ميخائيل اللشكري صاحب قسطنطينية، فأقام عنده حتى بلغه عنه ما غير خاطره عليه فقبض عليه واعتقله حتى مات.
واستبد ركن الدين قليج أرسلان بسائر بلاد الروم، فغلب على أمره معين الدين بن سليمان البرواناه المقدم ذكره، ولم يزل حتى قتله.
وأقام ابنه غياث الدين كيسخرو بن قليج أرسلان مكانه واستولى عليه وحجره، وصار البرواناه هو المستولي على بلاد الروم والقائم بملكها.
ثم دخل الظاهر بيبرس صاحب الديار المصرية إلى بلاد الروم في سنة خمس وسبعين وستمائة، ولقيه صمغان بن بيدو الشحنة من جهة التتار على بلاد الروم في جيش التتر، فهزمهم وقتل وأسر، وسار إلى قيسارية فملكها وجلس على تخت آل سلجوق بها، ثم رجع إلى بلاده.
وبلغ ذلك أبغا بن هولاكو صاحب إيران، فسار في جموعه إلى قيسارية ورأى مصارع قومه فشق عليه، واتهم البروناه في ممالأة الظاهر، فقبض عليه وقتله.
واستقل غياث الدين كيسخرو بن ركن الدين قليج أرسلان بالملك بعده.
ثم لما ولي أرغون بن أبغا مملكة إيران بعد أبيه، قبض على غياث الدين كيسخرو وقتله في سنة إحدى وثمانين وستمائة.
وأقام مكانه مسعوداً ابن عمه كيكاوس، وعزل صمغان بن بيدو الشحنة. وولى مكانه أميراً اسمه أولاكو وبقي مسعود بن كيخسرو في الملك وليس له منه سوى الأسم، والمتحدث هو الشحنة الذي من جهة التتر إلى أن مات في سنة ثمان عشرة وسبعمائة، واستقل الشحنة بالمملكة. وبقي أمراء التتر يتغالبون على الشحنكية واحداً بعد واحد إلى أن كان منهم الأمير سلامش وبقي بها مدةً. ثم انحرف عن طاعة بيت هولاكو صاحب إيران، وكتب إلى الملك المنصور لاجين صاحب الديار المصرية يطلب تقليداً بأن يكون حاكماً بجميع بلاد الروم، وأن يكون أولاد قرمان ومن عداهم في طاعته، فكتب له تقليد بذلك بإنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي على ما سيأتي ذكره في الكلام على التقاليد فيما بعد إن شاء الله تعالى في المقالة الخامسة.
ثم خاف على نفسه من غازان صاحب إيران، ففر إلى الديار المصرية في الدولة المنصورية لاجين، ثم عاد إلى بلاد الروم لإحضار من تأخر من أهله فقبضت عليه عساكر غازان وحملته إليه فقتله. ولم يزل أمرهم على التنقل من أميرٍ إلى أمير منم أمراء التتر إلى أن كان منهم الأمير برغلي وهو الذي قتل هيتوم ملك الأرمن صاحب سيس.
ثم كان بعده في سنة عشرين وسبعمائة الأمير إبشغا.
ثم ولي أبو سعيد صاحب إيران بعد ذلك على بلاد الروم هذه دمرداش ابن جوبان سنة ثلاثٍ وعشرين وسبعمائة فقوي بها ملكه. ثم قتل أبو سعيد جوبان والدمرداش المذكور، فهرب دمرداش إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية، وكان سنقر الأشقر أحد أمراء الملك الناصر قد هرب إلى السلطان أبي سعيد فوقع الصلح بين السلطانين على أن كلاً منهما يقتل الذي عنده ففعلا ذلك.
وكان قد بقي ببلاد الروم أميرٌ من أمراء دمرداش اسمه أرتنا فبعث إلى أبي سعيد بطاعته، فولاه البلاد فملكها، فنزل سيواس واتخذها كرسياً لملكه، ثم خرج عن طاعة أبي سعيد وكتب إلى الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية، وسأله كتابة تقليدٍ بالبلاد، فكتب إليه بذلك وجهزت إليه الخلع، فأقام دعوة الخطبة الناصرية على منابر البلاد الرومية، وضرب السكة باسمه، وجهز بعض الدراهم المضروبة إلى الديار المصرية، وصارت بلاد الروم هذه من مضافات الديار المصرية، ولم يزل أرتنا على ذلك إلى أن توفي سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.
واستولى على الروم أولاده من بعده إلى أن كان بها محمد بن أرتنا في سنة ست وستين وسبعمائة، وبقي حتى توفي في حدود الثمانين والسبعمائة وخلف ابناً صغيراً.
فاستولى عليه الأمير قليج أرسلان أحد أمراء دولتهم وكفله.
ثم غدر به القاضي إبراهيم صاحب سيواس وقتله في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة واستولى على مملكة سيواس.
قال في العبر: وكان من طوائف التركمان ببلاد الروم جموعٌ كثيرة، كانوا يستعينون بهم في حروبهم على أعدائهم، وكان كبيرهم في المائة الرابعة أميراً من أمرائهم اسمه جق فلما ملك سلمان بن قطلمش المقدم ذكره قونية وأقصرا بعد أبيه على ما تقدم ذكره، خرج جق هذا مع مسلم بن قريش صاحب الموصل على سليمان بن قطلمش، فلما التقى الجمعان مال جق بمن معه من التركمان إلى سليمان بن قطلمش، فنهزم مسلم بن قريش وقتل وأقام أولئك التركمان أيام سليمان بن قطلمش بجبال تلك البلاد وسواحلها. فلما ملك التتر هذه البلاد وصار الملك لقليج أرسلان بعد غلبه أخيه كيكاوس، واكن أمراء التركمان يومئذ محمد بك وأخوه إلياس بك وصهره علي بك وقريبه سونج فخرجوا عن طاعة قليج أرسلان وبعثوا بطاعتهم إلى هولاكو صاحب إيران وتقرير إتاوةٍ عليهم على أن يبعث إليهم بلواء الملك على عادة الملوك، وأنم يبعث شحنةً من التتر تختص بهم، فأجابهم إلى ذلك وقلدهم الملك وبعث إليهم بلواء. فملكوا عليهم محمد بك.
ثم أرسل هولاكو يطلب محمد بك، فامتنع عليه وخالفه صهره علي بك فقدم على هولاكو فقدمه على قومه مكان محمد بك. ثم جاء محمد بك إلى قليج أرسلان صاحب بلاد الروم مستأمناً فأمنه ثم قتله، واستقر علي بك في امره التركمان.
ولما تناقص أمر التتر وضعف ببلاد الروم المذكورة واستقر بنو أرتنا بسيواس وأعمالها، غلب هؤلاء على ما وراء الدروب وما كان فتحه التتر من نواحي الشمال إلى خليج القسطنطينية.
واشتهر من ملوكهم ست طوائف:
الطائفة الأولى: أولاد قرمان:
وهم أصحاب أرمناك وقسطمونية وما والاها من شرق هذه البلاد كما تقدم. قال في مسالك الأبصار: وهم أهل بيتٍ توارثوا هذه البلاد، ولا يخاطب قائم منهم إلا بالأمارة. قال في التعريف: وهم أجل من لدى ملوكنا من التركمان: لقرب ديارهم، وتواصل أخبارهم، ولنكايتهم في متملك سيس وأهل بلاد الأرمن، واجتياحهم لهم من ذلك الجانب، مثل اجتياح عساكرنا لهم من هذا الجانب. قتال: وأكبرهم قدراً، وأفتكهم ناباً وظفراً، الأمير بهاء الدين موسى وحضر إلى باب السلطان وتلقي بالأجلال، وأحل في ممتد الظلال، وأورد موارد الزلال، وأري ميامن أسعد من طلعة الهلال، وحج مع الركب المصري وقضى المناسك، وأسبل في ثرى تلك الربا بقية دمعة المتماسك، وشكر أمراء الركب دينه المتين، وذكروا ما فيه من حسن اليقين، وعاد إلى الأبواب السلطانية، وأجلس في المرتين مع أمراء المشورة، فأشرك بالرأي وسأل السلطان في منشور يكتب له بما يفتح بسيفه من بلاد الأرمن ليقاتل بعلمه المنشور، ويجتني من شجر المران جنى عسله المشور، فكتبه له.
ثم قال: وهم على ما هم عليه يدارون ملوك التتار، وهو ومن سلف من أهل بيته مع ملوك مصر لا تغب المكاتبات بينهم ولا ينقطع بذل خدمته لهم، وإقبالهم عليه، واعتدادهم بموالأته.
قال في مسالك الأبصار: وهم عصبة ذات أيد ويد، وجيوشٍ كثيرة العدد، وهم أصحاب الحروب التي ضعضعت الجبال، ولهم مع الأرمن وبلاد التكفور، وقائع لا يجحدها إلا الكفور، يتخطفهم عقبانهم القشاعم وتلتهمهم أسودهم الضراغم. قال: وهم أهل بيت ألقى الله عليهم محبةً منه، وإذا شاء أميرهم جمع أربعين ألفاً. ثم ذكر بعد ذلك بكلام طويل أنهم هم الذين كانوا ألفوا بين سلامش وبين المنصور لاجين، وأنهم هم الذين لا يرتاب في رأيهم، ولا يطعن في دينهم، بل مهما ورد من جهتهم تلقي بالقبول، وحمل على أحسن المحامل. ثم قال: وحكي عمن تردد إليهم وعرف ما هم عليه أنهم رجال صدق، وقوم صبر، لا تستخف لهم حفيظة، ولا ترد بحنقها لهم صدورٌ مغيظة، ولهذا أمراء الروم لا يطأون لهم موطئاً يغيظ، ولا يواطئون لهم عدة شهور في مشتي ولا مقيظ، وما أحدٌ من يحسدهم على ما آتاهم الله من فضله إلا من يستجيش عليهم بالتتار، ويعدد عليهم عظام الذنوب الكبار، ووقاية الله تكفيهم، وحياطته عن عيون القوم تخيفهم، ولذلك كان السلطان محمود غازان يقول: أنا أطلب الباغي شرقاً وغرباً، والباغي في ثوبي، يريد أولاد قرمان وتركمان الروم ومع هذ لم يسلط عليهم.
وحكي عن الصدر شمس الدين عبد اللطيف أخي النجيب أنه قال يوماً: لولا الأكراد وأولاد قرمان وتركمان الروم، دست بخيلي مغرب الشمس.
الطائفة الثانية: بنو الحميد:
وهم أصحاب أنطاليا وفلك بار على ما تقدم ذكره، وهم من عظماء ملوك التركمان.
الطائفة الثالثة: بنو أيدين:
وهم أصحاب بركي وما معها، على ما تقدم ذكره. قال في مسالك الأبصار: وقد ذكر محمد بن إيدين صاحب بركي المذكورة: وهذا ابن أيدين ما أعرف أن له بمن حوله من ملوك الممالك إلماماً، ولا أن له أخباراً ترد طروقاً ولا إلماماً، بل هو في عزلة من كل جانب، لا مخالط ولا مجانب.
الطائفة الرابعة: بنو منتشا:
وهم أصحاب فوكة وما معها، وقد ذكر في مسالك الأبصار: أن مهم أولاد دندار. ثم قال: ولهؤلاء بني دندار إلى ملوك مصر انتماء، ولهم من تحف سلاطينها نعماء. قال: كان بمصر منهم من له إمره فيها ثم عاد إلى بلاده بعد مهلك تمرتاش بن جوبان، لأنه كان قد ترك بلاده لأجله، وفر هارباً من يده لعدواةٍ كان قد اضطرمت بينهما شرورها، واضطربت أمورها، فلما خلت من مجاورة تمرتاش تلك البلاد، عاد. ويقال: إنه قتل ولم يصل إلى بلاده.
الطائفة الخامسة: بنو أورخان بن عثمان جق:
وهو صاحب برسا على ما تقدم ذكره. قال في العبر: وكان قد اتخذ برسا داراً لملكه، ولكنه لم يفارق الخيام إلى القصور، وإنما كان ينزل بخيامه في بسيطها وضواحيها ولم يزل على ذلك حتى مات.
وملك بعده ابنه مراد بك وتوغل في بلاد النصرانية فيما وراء الخليج القسطنطيني في الجانب الغربي، وفتح بلادهم إلى أن قرب من خليج البنادقة، وجبال جنوة، وصير أكثرهم أمراء ورعايا له، وعاث في بلاد الكفار بما لم يعهد قبله من مثله، وأحاط بالقسطنطينية من كل جانب حتى أعطاه صاحبها الجزية. ولم يزل على ذلك حتى قتل في حرب الصقالبة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
وملك بعده ابنه أبو يزيد فجرى على سنن أبيه، وغلب على قطعةٍ من بلاد الروم هذه فيما بين سيواس وأنطليا والعلايا، بساحل البحر إلى قريب مدينة بي قرمان، ثم تزوج في بني قرمان بنت أحدهم وغلب على ما بيده من تلك النواحي، ودخل بنو قرمان وسائر التركمان في طاعته، ولم يبق خارجاً عن ملكه إلا سيواس التي كانت بيد قاضيها إبراهيم المتغلب عليها وملطية الداخلة في مملكة الديار المصرية ومضافاتها على ما تقدم. ولم يزل على ذلك حتى قصده تمرلنك بعد تخريب الشام في سنة ثلاث وثمانمائة وقبض عليه، فبقي في يده حتى مات.
وملك بعده ابنه سليمان جلبي وبقي حتى مات.
فملك بعده أخوه محمد بن أبي يزيد بن مراد بك بن عثمان جق، وهو القائم بمملكتها إلى الآن.
قال في مسالك الأبصار: ولو قد اجتمعت هذا البلاد لسلطانٍ واحد، وكفت بها أكف المفاسد، لما وسع ملوك الأرض إلا انتجاع سحابة، وارتجاع كل زمانٍ ذاهبٍ في غير جنابة، ثم قال: الله أكبر إن ذلك لملك عظم، وسلك نظيم، وسلطنة كبرى ودنيا أخرى {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}.